6 - التعلم النشط ... كيف ... ولماذا؟

بقلم/ أشرف شوقي الرسول



تحدثنا في المقال السابق عن تكنولوجيا التعليم وكيف أنها تساهم في التعلم النشط سواء داخل الصفوف التقليدية أو في التعليم عن بعد، لكن ما المقصود بالتعلم النشط وكيف نشأ هذا المفهوم؟ وما الأسس التي يعتمد عليها؟ وكيف يختلف فيه دور المعلم ودور المتعلم عن التعليم دورهما في التعليم التقليدي؟

تعريف التعلم النشط وتاريخ نشأته


التعلم النشط هو نمط تعليمي يشترط إشراك الطلاب بفاعلية في عملية التدريس وعدم اقتصار دوره على تلقي المعلومة الجاهزة، ويأخذ دور الطلاب في التعليم أشكالًا متنوعة مثل: المناقشة ولعب الأدوار، وحل المشكلات، ودراسة الحالة، استكشاف مفاهيم جديدة في مجموعات، وعبر الممارسة والمراجعة والتطبيق، وغير ذلك من الأساليب التي تضع على المتعلم مسؤولية أكبر في عملية تعلمه.
ظهر مفهوم التعلم النشط في دراسة ظهرت عام 1991 بعنوان "التعلم النشط: خلق الإثارة في الفصل الدراسي" ركزت هذه الدراسة على الحاجة إلى إشراك المتعلمين في عملية تعلمهم، أورد الباحثون في هذه الدراسات ما ذكره شيكيرينج وكامسون (Chickering and Camson 1987) من أن الطلاب يجب أن يفعلوا أكثر من مجرد الاستماع: يجب أن يقرأوا أو يكتبوا أو يناقشوا أو يشاركوا في حل المشكلات. وكذلك ذكرت الدراسة ما طالب به بانويل وايزن (Bonwell and Eison 1991) من ضرورة مشاركة الطلاب عبر مهام التفكير العليا مثل التحليل والتركيب والتقييم.

أهمية التعلم النشط


عندما يتفاعل الطالب مع عملية التعلم، بدلاً من أخذ المعلومات بشكل سلبي، فإن أداء الطلاب يكون أفضل، لماذا؟
أولًا: لأن التلقي السلبي للمعلومة غير آمن وغير ضامن لوصول المعلومة للطالب، فالطالب موجود وسامع ولكن قد يشتت انتباهه مثير خارجي، وقد يصيبه السرحان، وقد يسيطر عليه النوم. بالتعلم النشط الفعال نضمن تركيز الطالب كليًا في النشاط الدراسي. وقد وجدت جامعة كورنيل أن الأبحاث تشير إلى أن اهتمام المتعلم يبدأ في التضاؤل كل 10-20 دقيقة خلال المحاضرات - مما يعني أن المدرسين يبذلون الجهد الكبير للحفاظ على انتباه طلابهم.
ثانيًا: لأن التعلم النشط يغذي الدماغ، ويمنحه فرصًا لإنشاء روابط بين المعلومات الجديدة والقديمة وربطها بخبراته السابقة، وتصحيح المفاهيم الخاطئة وإعادة النظر في الأفكار السابقة. فالتعلم النشط يشجع عقلك على تكوين وصلات عصبية بين خلايا الدماغ وتنشيط الشبكات المعرفية والحسية، مما يساعد على معالجة المعلومات الجديدة وتخزينها. تذكر كلير هوجندورن (Claire Hoogendoorn) الباحثة في كلية مدينة نيويورك للتكنولوجيا، أنه "... يتعزز التعلم عند تنشيط مسارات عصبية متعددة في الوقت نفسه، فكلما تمكنا من تنشيط أدمغة الطلاب بطرق مختلفة زاد تعلمهم، وهذا يعني أن إشراك العديد من العمليات الحسية والمعرفية والعاطفية والاجتماعية لدى الطلاب سيزيد من إمكاناتهم التعليمية ".
ثالثًا: تركز النظم التعليمية على توفير خريجين تناسب سوق العمل الذي يبحث عن قدرات التفكير النقدي المستقل، وبالتعلم النشط نعلم طلابنا كيفية التعمق أكثر وتعزيز مهام التفكير العليا مما يحسن النتائج التعليمية طويلة الأمد.

التعلم النشط مقابل التعليم التقليدي


من أكثر ما يميز التعليم التقليدي أن الطلاب يركزون خلاله أكثر على تدوين كل كلمة والاحتفاظ بكل معلومة، بدلاً من تقييم وفهم وتحليل ما يفترض أن يتعلموه، يزداد اندماجهم مع المعلم أكثر من اندماجهم مع المحتوى التعليمي بالرغم من كونه العنصر الأكثر أهمية.
هذا التدريس أو الاتصال أحادي الاتجاه للمعلومات من مدرس إلى طالب والذي لم يعد مقبولًا أو مناسبًا لتحفيز الطلاب على التعلم. يمكن تحديثه فعلى سبيل المثال التعليم التقليدي هو محاضرة عن الأمراض والأوبئة، بينما التعلم النشط هو المناقشة حول الأمراض التي سمع عنها الطلاب وفي أي سياق، وكيفية انتشارها وسبل التغلب عليها. التعليم التقليدي يوفر صورة خلية مكتوب التعليق عليها بالفعل، بينما يوفر التعلم النشط صورة غير محددة لخلية للطلاب لاستكشافها والتعليق عليها.
وللمزيد من الأمثلة يمكنكم الرجوع للمقالة السابقة "في التعليم دع التكنولوجيا تعمل لصالحك" وستجدون الكثير من الأساليب التدريسية التي تعزز بها التكنولوجيا الرقمية عمليتي التدريس والتعلم، كما نورد أسفل هذا المقال عددًا من مقاطع الفيديو التي تستعرض أحدث استراتيجيات التعلم النشط.

عوائق التعلم النشط


ولكن إذا كان للتعلم النشط كل هذه المزايا، ما الذي يمنع المعلمين من الاعتماد عليه في تدريسهم للطلاب؟ نجد الإجابة على هذا السؤال في عدة نقاط هي:
- يستغرق النشاط في التعليم النشط وقتًا أطول وبذلك لا يمكن للمدرسين تغطية أكبر قدر ممكن من المحتوى التعليمي.
- التعلم النشط يتطلب تخطيط وتحضير أكبر من التعليم التقليدي.
- تمكن العديد من المدرسين من أدائهم كمحاضرين، لذا فهم أقل ميلًا إلى تجريب أساليب التدريس الحديثة.
- حاجة التعلم النشط إلى الدعم والمواد والميزانية من المؤسسات الأكاديمية.
- الكثافة العالية في الفصول تحد من تطبيق استراتيجيات التعلم النشط.
ولكن هناك من يرى أن استخدام التقنيات الرقمية الحديثة قد يساعد في التغلب على هذه العقبات، فقد أشارت جامعة ولاية أريزونا أنه من المفاهيم الخاطئة أن التعلم النشط لا يمكن أن يحدث إلا في بيئات التعلم الصغيرة وجهاً لوجه فيمكن أن يحدث التعلم النشط أيضًا في الدورات التدريبية ذات التسجيل الكبير والتعليم المدمج والتعليم عبر الإنترنت من خلال الاستخدام المتعمد لتقنية فعالة ومناسبة من حيث التكلفة.

سلبيات التعلم النشط


يحذر الأكاديميون والمعلمون من بعض السلبيات التي تشوب استراتيجيات التعلم النشط، فبقدر ما يتمتع بإيجابيات متعددة ينبغي علينا أن ننتبه إلى ما يلي:
1. تستنزف استراتيجيات التعلم النشط الوقت بصورة ملحوظة.
2. قد يكون الحفظ وتلقي المعلومات ضروريًا أحيانًا.
3. يمكن للطلاب تطوير المفاهيم الخاطئة أثناء تعلمهم المستقل بسبب قلة التوجيه والمتابعة من المعلم.
4. في التعلم النشط ليست كل النتائج متوقعة.

في الأخير نقول إن التعلم النشط ضرورة، بالرغم من معوقاته، وبالرغم من سلبياته فهو ضرورة في ظل عصر يفرض على الجميع ثقافة الابتكار والتقدم القائم على المعرفة، والمعرفة أقصر طريق لتنميتها هو أن يتفاعل معها المتعلم، يستقبلها ويتفاعل معها ويهضمها ويطورها ثم يعيد تقديمها في ثوبٍ جديد، وأظن أن استراتيجية المحاضرات المعمول بها منذ القرن الرابع عشر لن تفي بهذا الغرض وبذلك تتضح لنا أهمية الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة في تطبيق التعلم النشط مع متعلمينا.
شاركونا ملاحظاتكم وأراءكم في هذا الموضوع فنحن نهتم بالاستماع لكم.

روابط مهمة


استراتيجيات التعلم النشط مستمع - متحدث - مراقب ‎⁨استراتيجية مثلث الاستماع⁩ تطبق على مجاميع ثلاثية
‎⁨استراتيجيات التعلم - توزيع الفرص بالتساوي للمشاركة‎ - ⁨استراتيجية الرؤوس المرقمة⁩ تطبق للمجموعات

المصادر


Active Learning
What is Active Learning?
Active Learning – Advantages & Disadvantages

صورة المقال


CDC on Unsplash

صدر من هذه السلسلة:


-1مهارات التعلم الذاتي (مقدمة)


2 - الذكاءات المتعددة في التعليم


3 - أنماط المتعلمين المختلفة ووسائل التعامل معها


4 - علم الأعصاب التعليمي ودوره في تحسين النتائج التعليمية


5 - في التعليم دع التكنولوجيا تعمل لصالحك


قيم المقال