- سلسلة مقالات "مهارات التعليم والتعلم الذاتي"
- 1236 قراءة
8 - مهارات التعليم والتعلم الذاتي: خلاصة القول
لا غنى للإنسان في هذا العصر عن مواصلة التعليم والتعلم، فعندما تفتح – عزيزي القارئ – موقع اليوتيوب للبحث عن معلومة ما سواء كنت تبحث عن الطريقة الصحيحة لغسيل الأسنان، أو تبحث عن مسألة دقيقة في علم الأعصاب فأنت في الحالتين – ببساطة – تتعلم. وإذا توسعنا في صور التعليم والتعلم سنجد أن الكثيرين يشاركون في مقررات دراسية أو دورات تدريبة وبرامج تعليمية بحماس، ولكن، هل ينجح الجميع في الحصول على تعلم فعال وممتد الأثر؟
لكي تتعلم ما تود تعلمه بطريقة صحيحة، تعليمًا مؤثرًا وطويل الأجل هناك مهارات سهلة تساعدك في هذا الأمر وتيسر لك عملية التطوير الشخصي والمهني بصورة واضحة نذكر لك من هذه المهارات ما يلي:
1 – المهارة الأولى: استخدم الذكاء المناسب لك
إذا أردت أن تتعلم شيئًا جديدًا حاول أن تعرف أفضل ذكاء لديك من ذكاءاتك الثمانية واختر الأنشطة التعليمية التي تعتمد على هذا الذكاء لأن ذلك سيساعدك في التعلم بسرعة وبفاعلية، فذكاء الإنسان – كما يوضح لنا هوارد جاردنر – ليس نوعًا واحدًا فقط، ولكن للإنسان قوى فكرية أو ذكاءات متعددة تنقسم إلى ثمانية هي:
الذكاء البصري – المكاني
الذكاء اللغوي – اللفظي
الذكاء الرياضي – المنطقي
الذكاء الجسدي – الحركي
الذكاء الموسيقى
الذكاء الشخصي – الاجتماعي
الذكاء الشخصي – الذاتي
الذكاء البيئي – الطبيعي
يقول جاردنر بأننا جميعًا نمتلك هذه الذكاءات على تنوعها، ولكنها تتفاوت في نشاطها وقوتها، وأنها لا تتطور بالطريقة نفسها ولا بالوتيرة نفسها، لكن المشترك بينها أن هذه الذكاءات كلها قابلة للتطوير والاكتساب عبر التدريب والممارسة. فكل شخص يرتاح ويتأقلم سريعًا مع اثنتين أو ثلاث أو أربع من هذه الذكاءات ويتجنب الذكاءات الأخرى، بمعنى آخر كل شخص لديه على الأقل ذكاءان أو ثلاث ذكاءات مهيمنة يستخدمها لإكمال المهام اليومية وحل المشكلات والاستجابة في المواقف المختلفة، فعندما تُعرض معلومة بوسيلة تعليمية موسيقية على فرد يعتمد على الذكاء البصري - المكاني في معالجة المعلومات الجديدة ويضعف لديه الذكاء الموسيقي سيشعر بالعزلة ويفقد اندماجه في النشاط ونكون بذلك قد حكمنا على هذه التجربة التعليمية بالفشل. هذا يعني أن العملية التعليمية تنجح إذا توفرت للمتعلم وسيلة تعليمية توافق نوع الذكاءات التي يتمتع بدرجة عالية منها.
كيف تتعرف ذكاءاتك النشطة، وما سبل تعزيزها؟ يمكنك معرفة المزيد من خلال هذا الرابط:
الذكاءات المتعددة في التعليم2 – المهارة الثانية: تعرَّف نمطك التعليمي ووسائل التعامل معه
بناءً على ما سبق ذكره في الذكاءات المتعددة، وبالنظر إلى مقر هذه الذكاءات (الدماغ) نطرح سؤالًا: كيف يغذي الدماغ هذه الذكاءات؟
للدماغ خمسة أبواب تعبر منها المعلومات إلى مراكز الانتباه والإدراك والربط والتفسير واتخاذ القرار، هذه الأبواب هي حواسك الخمس، ولذلك وضع علماء التربية أنماطًا للمتعلمين تعتمد على حواس الفرد في المقام الأول، وعرفوا النمط التعليمي بأنه الطريقة المفضلة للفرد لاستيعاب المعلومات ومعالجتها وفهمها والاحتفاظ بها. وأشاروا إلى أهمية التنويع في وسائل عرض وتوصيل المعلومة للطلاب، وكذلك أكد هؤلاء العلماء على أهمية اكتشاف المعلمين للأنماط التعليمية لطلابهم لأن إغفال هذا التباين قد يؤدي إلى تأخر بعض الطلاب عن أقرانهم. وقد صنف علماء التربية المتعلمين إلى أربعة أنماط هي: المتعلم البصري / المتعلم السمعي / المتعلم الحركي / المتعلم بالقراءة والكتابة. الأنماط التعليمية توضح البوابات التي تسهل عملية مرور هذه المعلومات إلى الدماغ وتسهل كذلك عملية استدعائها من الذاكرة. ولأنها المدخل الرئيس للمعلومات فقد ظهرت ضرورة معرفة المعلم، وولي الأمر بها لاكتشاف أنماط طلابهم وأطفالهم، والمتعلمين ذاتيًا كذلك لما لها من دور فعال في تسهيل عمليتي التعلم والتذكر وإضفاء الطابع الشخصي الخاص بهم على تعلمهم.
ولكن هناك مواقف تعليمية تفرض نمطًا محددًا وحاسةً معينة ولا تترك مجالًا لحاسةٍ أخرى، ولذلك نجد أننا متشابهون في أسلوب التعلم أكثر من كوننا مختلفين كذلك تقول أخصائية التعليم "بربرا هونج " فعلى سبيل المثال إذا أردت أن تُعلِّم أحدًا أين تقع سنغافورة فإن أفضل طريقة لذلك هو أن توضح مكانها على الخريطة، وإذا أردت التعرف على طعم الملح فأنت في غنى عن المخططات الذهنية وتعتمد على حاسة التذوق لأن ذلك هو أفضل طريقة لتعليمها. ومعرفة نمطك التعليمي أمر ليس باليسير، بل يحتاج الرجوع إلى الخبرات السابقة والحكم من خلالها، فعندما تنظر لدراستك في الماضي وتراجع المواقف التي تعلمت فيها واحتفظت ذاكرتك بالمعلومات لفترة طويلة تخبرك اختياراتك بنمطك التعليمي والطريقة المفضلة لك في التعليم.
أنت عزيزي القارئ ما نمطك التعليمي، وكيف يساعدك ذلك على تحسين عملية تعلمك للموضوعات الجديدة؟ اقرأ الإجابة من خلال هذا الرابط:
أنماط المتعلمين المختلفة ووسائل التعامل معها3 – المهارة الثالثة: تعرف أثر دماغك وتركيبته على أساليب تعلمك
بعد أن تحدثنا عن أنواع الذكاءات وعن أنماط المتعلمين ورأينا كيف يحدد دماغ الفرد ذكاءاته المميزة له، ونمطه التعليمي الذي ييسر له عمليتي التعليم والتعلم، هل دماغ الفرد هو ما يؤثر على عملية تعليمه فقط أم أن للتعليم آثار على دماغ الفرد كذلك؟ هذا ما يجيب عنه علم الأعصاب التعليمي الذي يصل النقاط المتفرقة بين طب المخ والأعصاب البشري وبين علم النفس وبين نظريات علم التربية بهدف التوصل لتفسيرات توضح كيفية حدوث التعليم أو التوصل لمعالجة معوقات التعليم، فمثلًا عندما تجد صعوبة في نطق صوت معين أثناء تعلم لغة ما، قد تكون المشكلة ليست في عضو النطق لديك، ولكن قد يكون السبب زيادة نشاط في مناطق النشاط البصري في المخ. مثالٌ آخر، عندما يبلغ الأطفال سن الخامسة ومع بدايات الأنشطة التعليمية فإن أدمغتهم تستهلك 50% تقريبًا من السعرات الحرارية التي تستهلكها أجسادهم وخاصة الأطفال في مؤسسات رياض الأطفال ورعاية الطفولة المبكرة. نستعرض في هذا المقال معلومات بسيطة عن تأثير التعليم على بنية دماغك وكذلك تأثر أدائك التعليمي بتركيبة دماغك.
إن معرفة الآلية التي تعمل بها أدمغتنا يساعد على تحسين النتائج التعليمية، ويساعد هذا العلم كذلك في التشخيص الصحيح للمشكلة والسبب وراء حدوثها، والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها مثلًا: تعديل مواعيد الدروس لتحسين التعليم، فلقد غيرت المدارس في بعض البلدان برنامجها اليومي للدراسة من أجل مصلحة الطلاب وتقدم مستواهم بعد أن أوصت منظمة مركز مكافحة الأمراض CDC بتأخير بدء اليوم الدراسي لمدة نصف ساعة بناءً على دراسة أثبتت أن نوم 30 دقيقة زيادة للطلاب يمكن أن يحسن انتباههم أثناء اليوم الدراسي بصورة أفضل.
ولمعرفة المزيد عن أسرار دماغك مع التعليم اضغط رابط المقال:
علم الأعصاب التعليمي ودوره في تحسين النتائج التعليمية4 – المهارة الرابعة: تكنولوجيا التعليم هي مساعدك الأصيل فوظفها بفاعلية
هناك عبارة تقول إن استخدام التكنولوجيا في التعليم هو في ذاته محفز كبير للتعلم، ذلك لما تحفل به المواد التعليمية الرقمية اليوم من صورة جذابة وصوت واضح وتفاعل مع المادة العلمية، واستقلالية في التعلم وتحكم كامل في المحتوى التعليمي، وإذا أردنا اختبار الطالب أو أراد الطالب التدريب والممارسة بنفسه وجد مئات المواقع والتطبيقات التي تصمم له اختبارات تفاعلية. وتضيف الدراسات كذلك أن التعليم القائم على التكنولوجيا يعزز فاعلية السقالات التعليمية حيث يكون المعلم في هذه التجربة أشبه بالدليل أو الموجه الذي يقدم عناصر تكنولوجية داعمة يستطيع بعدها سحب الدعم تدريجيا والتمهيد لاستقلالية المتعلم. وتشير دراسات أخرى إلى أن التعليم القائم على التكنولوجيا يسمح للطلاب باستكشاف المحتوى التعليمي المتوافق مع اهتماماتهم الشخصية ووفقًا لسرعتهم الخاصة (de Jong & van Joolingen, 1998) ويجعل الطلاب أنفسهم مسؤولين عن تعلمهم بدلاً من أن يكون بقيادة المعلم (Saye & Brush, 2007) وحتى أنه يمكن الطلاب من سد فجوة التحصيل في التعليم (Becker et al., 2017) بمعنى أن الطالب الذي لا يستطيع التقدم في مهارة تعليمية محددة لأنها تعتمد على مهارة أخرى سبق ودرسها في الصفوف السابقة ولم يتمكن منها بالمستوى المطلوب للبناء عليها مما شكل فجوة في تعليمه، فإن التعليم القائم على التكنولوجيا في هذه الحالة يستطيع إصلاح هذا الخلل بالعودة به للمهارة المفقودة في إطار شخصي وبعيدا عن باقي طلاب الصف الحالي ليتقنها الطالب ثم يلحق بطلاب صفه لإتقان المهارة الحالية.
كما قدمت تكنولوجيا التعليم يدًا لا تنكر لمن يعلمون أنفسهم بأنفسهم "المتعلمين ذاتيًا" ففي كتابه " كيف تطور مهاراتك عن طريق التعلم الذاتي " يقول مارتن ميدوز" أن الشخص في رحلته لتطوير نفسه تزداد حاجته لصندوق العدة أو لمجموعة من الأدوات التي تساعده على تحقيق أهدافه من التعلم ومن ثم تحقيق التطوير والنمو الذاتي. تتعدد هذه الأدوات – من وجهة نظر ميدوز – ونجد أن اكتشاف هذه الأدوات وتنظيمها يسهل الآن بواسطة التكنولوجيا التعليمية. والأمثلة على أدوار تكنولوجيا التعليم التي تساعد المتعلمين اليوم هي أمثلة كثيرة أوردنا بعضها في هذا المقال:
في التعليم دع التكنولوجيا تعمل لصالحك
5 - المهارة الخامسة: اختر التعلم النشط
ويؤدي استخدام التكنولوجيا في التعليم على النحو السابق إلى تحقيق التعلم النشط والذي هو ضرورة في التعليم الحديث، التعلم النشط هو نمط تعليمي يشترط إشراك المتعلم بفاعلية في عملية التدريس وعدم اقتصار دوره على تلقي المعلومة الجاهزة، ويأخذ دور المتعلمين في التعليم أشكالًا متنوعة مثل: المناقشة ولعب الأدوار، وحل المشكلات، ودراسة الحالة، واستكشاف مفاهيم جديدة في مجموعات، وعبر الممارسة والمراجعة والتطبيق، وغير ذلك من الأساليب التي تضع على المتعلم مسؤولية أكبر في عملية تعلمه.
ظهر مفهوم التعلم النشط عام 1991 في دراسة بعنوان "التعلم النشط: خلق الإثارة في الفصل الدراسي" ركزت هذه الدراسة على الحاجة إلى إشراك المتعلمين في عملية تعلمهم، أورد الباحثون في هذه الدراسات ما ذكره شيكيرينج وكامسون (Chickering and Camson 1987) من أن الطلاب يجب أن يفعلوا أكثر من مجرد الاستماع: يجب أن يقرأوا أو يكتبوا أو يناقشوا أو يشاركوا في حل المشكلات.
وكذلك ذكرت الدراسة ما طالب به بانويل وايزن (Bonwell and Eison, 1991) من ضرورة مشاركة الطلاب عبر مهام التفكير العليا مثل التحليل والتركيب والتقييم.
عندما يتفاعل الطالب مع عملية التعلم، بدلاً من أخذ المعلومات بشكل سلبي، فإن أداء الطلاب يكون أفضل، لماذا؟
أولًا: لأن التلقي السلبي للمعلومة غير آمن وغير ضامن لوصول المعلومة للطالب، بينما بالتعلم النشط الفعال نضمن تركيز الطالب كليًا في النشاط الدراسي.
ثانيًا: لأن التعلم النشط يغذي الدماغ، ويمنحه فرصًا لإنشاء روابط بين المعلومات الجديدة والقديمة وربطها بخبرات المتعلم السابقة، وتصحيح المفاهيم الخاطئة وإعادة النظر في الأفكار السابقة. فالتعلم النشط يشجع عقلك على تكوين وصلات عصبية بين خلايا الدماغ وتنشيط الشبكات المعرفية والحسية، مما يساعد على معالجة المعلومات الجديدة وتخزينها.
ثالثًا: تركز النظم التعليمية على توفير خريجين تناسب سوق العمل الذي يبحث عن قدرات التفكير النقدي المستقل، وبالتعلم النشط نعلم طلابنا كيفية التعمق أكثر وتعزيز مهام التفكير العليا مما يحسن النتائج التعليمية طويلة الأمد.
للمزيد اضغط رابط المقال:
التعلم النشط ... كيف ... ولماذا؟6 – المهارة السادسة: تدرب على التذكر التلقائي لما تعلمته
بعد أن يتعلم الفرد معرفة أو خبرة جديدة، كيف يحتفظ بها ويتذكرها وقت الحاجة في خضم ما نعيش فيه من قنوات اتصال تملأ أدمغتنا بمعلومات مختلفة الأهمية، كيف تتذكر ما تتعلمه دون جهد؟ تلخيصًا نقول إن معلوماتك التي تريد لها أن تحضر وقتما تشاء لابد لك من بذل الجهد فور تلقيها عبر تكرارها أو إشراك أكثر من حاسة في معالجتها، فيمكنك أن تقرأها بصوت عال وتكتبها في الوقت نفسه مثلًا. وهذه العملية إن أجريتها قبل النوم تكون قد أتحت لها فرصةً أعظم لترسخ في ذاكرتك، بعد ذلك مارس استدعاء ومراجعة هذه المعلومة بشكل مكثف مما يضمن لك بقاء المعلومة في الذاكرة وسرعة استدعائها وقت الحاجة، بهذه الآلية قد يصل بك الحال إلى استدعاء أكثر المعلومات تعقيدًا دون بذلِ أي جهدٍ يذكر، لأن التدريب على استدعاء المعلومة يحرر الذاكرة من العمليات المعقدة ويتحول بها إلى التلقائية.
للمزيد اضغط رابط المقال:
كيف تتذكر ما تتعلمه دون جهد؟وفي الأخير نقول إن الهدف من تحرير سلسلة مقالات "مهارات التعلم الذاتي" هو توفير دليل يسترشد به كل من له علاقة بالتعليم، معلم أو ولي أمر أو طامحٌ يعلم ويطور نفسه، أو باحث في الشأن التعليمي. لقد كانت هذه المقالات بموضوعاتها المختلفة بمثابة مفاتيح لهذه العلوم الثرية، الصعب تغطية جوانبها وتفاصيلها كافة، ونرجو أن نكون وفقنا في تقديم ما ينفع وأن تكون هذه السلسلة قد حققت هدفها المنشود. وفي الختام نريد أن نسمع منكم الآراء والملاحظات عن تجربتكم مع هذه المقالات لكي نقدم لكم ما هو أفضل في المرات القادمة.
رابط الصورة: Photo by
J. Kelly Brito on
Unsplash